لا حسد إلا في قطر! قطر والتواصل الحضاري مع أوروبا

14 أبريل لا حسد إلا في قطر! قطر والتواصل الحضاري مع أوروبا

يكاد لا يمر يوم إلا وتجد في الصحافة الأوروبية تقريرًا أو تحليلًا عن قطر، وجُلّها يركز على جانب من دور قطر وسياستها في المنطقة، ويتناسى أو يغض الطرف عن جانب آخر، لا يقل أهمية عما ذُكر، وذلك لمن أراد أن يتابع سياسة قطر بموضوعية وبكل حذافيرها. بعض القوى الغربية تُكنّ ضغينة لقطر وتحاول عبر تقاريرها أن تكبّر الصغير وتصغّر الكبير؛ فتركز على شاعر قطري محكوم وتنسى دور قطر في تحرير 13 راهبة أرثوذكسية تم اختطافهن في مدينة معلولا السورية أو تحرير رهينة سويسرية في اليمن، كما تنتقد وضع العمال في قطر، وتسكت عن وضعهم في الدول الأخرى المجاورة وكأن العمال فيها أسياد يجلسون في جنّات وعيون وعلى الأرائك متكئون. يريدون إظهار قطر على أنها تدعم ما يسمونه “القوى المتطرفة” لأنها برأيهم مجموعة من الوحوش، ويتجاهلون أن هؤلاء -عند الآخرين- “أحرار يناهضون الاستبداد”، ولا يكتبون شيئًا عن استضافة قطر لمنتدى “تحالف الحضارات” الأممية عام 2011 أو الاستضافة السنوية لمُنتدى “أمريكا والعالم الإسلامي” أو الاستضافة السنوية للمؤتمر العالمي لحوار الأديان الذي ينظمه “مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان” ويحضر فيه إمام مسجد، وقسيس كنيسة وحَبر كنسي على قدم المساواة، ينادون جميعًا من الدوحة بالحوار والتسامح وبضرورة محاربة كل أنواع التطرف والعنف والإقصاء. هذه الصورة لقطر لا تناسب اللوحة التي يريدون ترويجها، فيسعون لتشويهها، والهدف هو بطولة كأس العالم لكرة القدم التي ستستضيفها الدوحة (مونديال 2022)، وكأنهم يقولون: هذا شيئ لا يمكن تقبله؛ لأن بطولة كأس العالم بضاعة ليست لها مكان في السوق العربي!

قطر هي الدولة الأكثر حضورًا في الرأي العام وفي مجالس الناس لاسيما السياسيين والإعلاميين وأصحاب القرار والمفكرين في أوروبا. هذه الشهرة الكبيرة لدولة صغيرة مدعاة لحسد الآخرين؛ «فكلما ارتفع الإنسان ازدادت من حوله الغيوم والمحن» كما يقول الفيلسوف السويسري جاك روسو، فلا يخلو جسد فرد أو دولة من طعنة حسد؛ فالكريم يخفيه واللئيم يبديه بأشكال وطرق “دبلوماسية” أو “إعلامية” متعددة. ولكن ما تُحسد عليه قطر ليس البراغماتية والاستقلالية لسياستها فحسب، إنما سعيها نحو «دعم التطلعات نحو إحقاق العدالة والحرية والديمقراطية؛ لأن قطر اختارت ألا تبقى على هامش التاريخ، وقررت الاضطلاع بدور كبير في الشؤون العالمية والتواصل مع الدول الأخرى»، كما عبّر عن ذلك وزير خارجيتها خالد محمد العطية. والهدف من الموضوع الذي أريد التطرق إليه هنا، ليس تقييم دور قطر في الشرق الأوسط فهو معروف، بل الغاية إبراز دور قطر في أوروبا وتحديدًا الوجه المسكوت عنه عمدًا؛ فلاشك أن العلاقة السياسية والاقتصادية التي تربط قطر بأوروبا موضوع متشعب وواسع؛ لذا سأركز فقط على سعي قطر إلى بناء “جسر للتواصل الحضاري” عبر عدة مشاريع في عدة دول أوروبية والتي من خلالها يمكن فهم حقيقة سياسة قطر الخارجية، والمتمثلة في قول العطية: «قطر تسعى إلى التواصل مع العالم لأنها قررت أن لا تبقى على هامش التاريخ».

المشروع الأول: مكتبة غازي خسرو بك – الدولة: البوسنة والهرسك

عندما تبحث في موسوعة ويكيبيديا على شبكة الإنترنت عن مكتبة غازي خسرو بك (أُسست 1537م) في سراييفو، ستجد صفحتها باللغة العربية فارغة لا تعطيك أبسط المعلومات، فيما تجد عن مكتبة بودلين (أسست 1602م) في أُكسفورد البريطانية معلومات وافرة. ظلت مكتبة غازي خسرو بك تمثّل عبر القرون أغنى تراث علمي وإسلامي في أوروبا عامة وفي منطقة البلقان خاصة. وكانت المكتبة في الحرب البوسنية الأخيرة بين 1992-1995م مهددة بالهلاك، واستطاع مسلمو سراييفو حفظ مقتنياتها العلمية بتخزين المخطوطات والوثائق اليدوية البالغ عددها 10.561، كُتب 60% منها باللغة العربية، في أماكن آمنة خارج المكتبة وذلك ثماني مرات خشية تعرضها للدمار جرّاء قصف المدينة طوال 1000 يوم. وأقدم مخطوطات المكتبة يحمل تاريخ 1106م وهو الجزء الرابع لكتاب “إحياء علوم الدين” للإمام أبي حامد الغزالي (المتوفى: 1111م)، بما يعني أن كتابه اليدوي وصل إلى البوسنة قبل وفاته بخمس سنوات. كتاب إحياء علوم الدين للغزالي هو أقدم من “ميثاق بان كولن” الذي ألّفه بان كولن عام 1189م، كما تحتوي المكتبة مخطوطات يهودية عمرها 600 عام، جلبها اليهود أثناء تهجيرهم من أسبانيا في القرن الرابع عشر. ويوجد فيها أصغر نسخة من القرآن الكريم مكتوبة باليد، تبلغ أبعادها 4,5 سنتميتر. هذه المكتبة العريقة والمتميزة التي يزيد عدد كتبها اليوم عن 100.000 كادت أن تضيع لولا مبادرة كل من الرئيس الأول للبوسنة والهرسك الراحل علي عزت بيغوفيتش والمفتي العام السابق للبوسنة الشيخ مصطفى تسيريش اللذين سعيا بعد الحرب لإنقاذ المكتبة التي انمحت معالمها أو كادت، وما كانت مبادرتهم هذه لتنجح لولا استجابة أمير دولة قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتمويل المشروع المتمثل في ترميم المبنى وتجهيزه كاملًا بمساحة 7000 متر مربع والذي كُلّف ما يزيد عن 10 ملايين يورو. والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رجل يعي قيمة الرقي بالمعرفة للإنسان وما تقوم به من دور في تحقيق التعارف بين الشعوب. واستغرق تشييد المكتبة المبنية على الطراز العربي الإسلامي 10 سنوات. ومع افتتاحها في يناير/كانون الثاني من هذا العام بحضور وزير الأوقاف القطري غيث بن مبارك الكواري أصبحت المكتبة قبلة للطلاب والباحثين ويعمل فيها خبراء متخصصون وأكاديميون يقومون على صيانة الكتب والمحافظة عليها من التلف. وتقع المكتبة في مركز المدينة ويُحيط بها جامع ومدرسة الغازي خسرو بك وسوق المدينة العتيق ذو المعالم التراثية.

يشكّل الدعم القطري لمشروع حيوي كهذا رسالة إلى العالم بضرورة حفظ التراث الإنساني؛ حيث إن هذا التراث هو مِلك لمن سيعمرون الأرض -من أجيال قادمة- وينطلقون منه في علاقاتهم مع غيرهم في سياق بناء العلاقات بين الشعوب؛ وهو ما يعكس سياسة قطر في دعم المشاريع التي تعزز روح التواصل والحوار وتعمّق التعدد الإثني والتنوع الثقافي الحاصل في البلقان؛ حيث صانت دول البلقان تراثها بلغات متعددة لأعراق متنوعة وأديان مختلفة، وبذلك تكون قد عكست رحابة الحضارة التي استطاعت أن تُوائم بين كل العناصر، وهي الإضافة النوعية التي يُمكن أن تضيفها شعوب البلقان في مجال إقرار السلم العالمي وتفعيل الحوار بين أهل الثقافات والحضارات المتنوعة، وفي مجال تحالف الحضارات؛ حيث كانت شعوب هذه المنطقة وريثة جانب مهم من تراث الحضارة الإسلامية وشاهدة على سماحة الإسلام. وكان وزير الأوقاف القطري قد عوّل في كلمته في افتتاح المكتبة بتاريخ 15 يناير 2014 على الدور الكبير الذي يُمكن أن تقوم به المؤسسات الثقافية والأكاديمية، في هذا الجزء الاستراتيجي من العالم، في الوساطة بين العالم الإسلامي وباقي العالم للتأسيس لحوار هادئ هادف يخدم الإنسانية جمعاء؛ مؤكدًا «أن دولة قطر تولي عناية فائقة لكل الجهود الرامية إلى توثيق عرى التعاون الإسلامي-الإسلامي، ودعم منهج الوسطية والاعتدال، وتصحيح الصورة السلبية التي أُلصقت بالإسلام والمسلمين، وبناء علاقات تعارف مع المنظومات الثقافيّة المتنوّعة».

المشروع الثاني: المركز الإسلامي في رييكا – الدولة: كرواتيا

لم تشهد مدينة رييكا الساحلية في كرواتيا، التي تدين غالبية سكانها بالكاثوليكية، في تاريخها حفلًا حضر فيه ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف زائر في يوم واحد غير يوم فتح المسجد في 4 مايو/أيار من العام المنصرم. لم تأتِ أعداد كبيرة لحضور افتتاح أول مسجد على البحر الأدرياتيكي فقط، إنما أتى للمشاركة أيضًا الطاقم السياسي الكامل من العاصمة زغرب، منهم: رئيس الجمهورية الحالي أيفو يوسيبوفيتش ورئيس الجمهورية السابق ستيبان مسيتش ورئيس البرلمان يوسيب لكو، ورئيس الوزراء زوران ميلانوفيتش ووزراء وعُمدة المدينة فويكو أوبرسنل بل وحتى وفد الاتحاد الأوروبي الذي ترأسه يبول فاندورن. مسجد رييكا هذا الذي تكفّل ببنائه أمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بعشرة ملايين يورو هو ثاني مسجد في البلاد بعد مسجد العاصمة زغرب الذي بُنِي هو الآخر بمساهمة من حاكم الشارقة بدولة الإمارات الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في الثمانينات من القرن الماضي. جاء افتتاح مسجد رييكا قبل شهرين من انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي، وبذلك عززت موقفها -بفضل هذا المسجد- في الأسرة الأوروبية «التي تقوم على قيم التعدد والتنوع» حسب ما أفاد فاندورن في كلمة الحفل. يمثل المسلمون 1.5% من سكان كرواتيا البالغ عددهم 4.2 مليون نسمة نحو 87% منهم كاثوليك. ويعيش في رييكا عشرة آلاف من أصل 63 ألف مسلم في كرواتيا. وقال الرئيس الكرواتي خلال الاحتفال: إن إقامة مركز إسلامي في رييكا «يبعث رسالة تؤكد أن التنوع الديني والعرقي هو ثروة كرواتيا الحقيقية». تأكيدًا لهذا التوجه الرسمي كان الرئيس الكرواتي قد حمل خلال زيارة سابقة إلى قطر ولقائه الأمير الوالد الشيخ حمد رغبة قطر رغبة كرواتيا في بناء هذا المركز وهكذا التقت الرغبة الكرواتية والإرادة القطرية لتحقيق هذا الحلم الذي كان يراود المسلمين منذ سنين، وتجسدت بافتتاحه الآن حقيقة قائمة في أن يكون كما قال مفتي كرواتيا عزيز حسانوفيتش: «واحة روحية لهم تغذي النفوس ويؤول إليها الراغبون في التأمل بجمال رييكا» مؤكدًا أن لا دولة في أوروبا يمكن أن تضاهي كرواتيا في التعامل عالي المستوى من المسؤولية والمساواة مع مواطنيها المسلمين إلى درجة تمتعهم بكامل حقوق المواطنة، وممارسة الشعائر الدينية أسوة بنظرائهم من الأغلبية الكاثوليكية والأقليتين: الأرثوذوكسية واليهودية وغيرهم. عمدة المدينة هو الآخر يفتخر بهذا المسجد الذي يبلغ طول مئذنته 24 مترًا ويقع على تلة تطل على البحر ويؤكد على أن المسجد سيجذب السياح إلى هذه المدينة وسيعزز من وضعها الاقتصادي في مدينة فيها أهم الموانئ الأوروبية.

ويشكّل المركز الإسلامي الجديد، نواة تجمع مسلمي مدينة ريكا وما حولها، الذين هاجروا سابقًا من البوسنة في زمن دولة يوغسلافيا السابقة، واستقروا على ساحل بحر الأدرياتيك غرب كرواتيا، واستمرت محاولاتهم لبناء المسجد زهاء خمسين سنة. الآن وقد خارت قواه واحدودب ظهره وتثاقلت مشيته، ها هو إسمائيتش بن حامد يرى أخيرًا بأم عينيه صرحًا أضخم وأجمل من كل ما تصوره عندما قدّم عام 1984 هو وبعض مسلمي يوغسلافيا السابقة طلبًا لبناء مصلّى لتأدية أركان الإسلام. لكن بعد حصولهم على الإذن عام 1989 وقبل أن يتمكنوا من مباشرة البناء، عصفت بمنطقة البلقان تقلبات جذرية من تفكك الدول إلى الحروب التي زلزلت كل شيء إلا تصميم وعزم هؤلاء القوم على إنجاز مشروعهم، فلم تثنهم قلة ذات اليد عن الاستمرار في سعيهم لتحقيق حلمهم وإنجاز هدفهم العسير. وبعد حصولهم على الأرض في 2003 بدأت رحلة الألف ميل لتحصيل التمويل؛ فطرقوا أبواب مسلمي الغرب لتحصيل المال اللازم، وتمكنوا من جمع مليون يورو غير أن ذلك لم يكن يكفي إلا لإعداد الوثائق الرسمية؛ فأُعدت التصاميم ووافق المجلس البلدي عليها عام 2006. لكن كيف السبيل الآن إلى إنجاز المشروع؟ يمّم القوم هذه المرة وجوههم إلى المشرق العربي، فكان أن حالفهم الحظ؛ إذ وجدوا متبرعًا تكفل بكل تكاليف هذا الصرح الكبير! إنه كرم أمير دولة قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مما أثلج صدورهم وحقق آمالهم. وكان دور وزير الأوقاف السابق أحمد بن عبد الله المري محوريًا في البدء بإنجاز هذا المشروع ووضع حجر الأساس له عام 2009، وحاز فضل إتمام البناء وافتتاحه الوزير الحالي غيث بن مبارك الكواري الذي قال في افتتاحه: «إن الروح البشرية لا تستقيم إلا بنور العلم والتفاعل الحضاري الحي مع إخواننا في الإنسانية على اختلاف توجهاتهم الدينية والثقافية… إن عناية أمير البلاد بهذا الصرح ورعايته له نابع من إيمانه العميق بوجوب دعم المسلمين في البلاد غير الإسلامية ليؤدوا دورهم وسيطًا حضاريًا بين العالم الإسلامي وباقي العالم بمختلف حضاراته».

المشروع الثالث: المركز الإسلامي الثقافي في ليوبليانا – الدولة: سلوفيينا

قال مفتي سلوفينيا نجاد غرابوس في حوار له مع جريدة “الشرق الأوسط” في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2006: «بناء مسجد في العاصمة امتحان للديمقراطية الأوروبية». آنذاك لم يكن سماحة المفتي يتوقع أن قطر ستدخل على الخط للحفاظ على ماء وجه سلوفينيا، البلد الفتيّ في الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعاني من عقدة الانفتاح التام مع المسلمين والسماح لهم ببناء أول مركز إسلامي في العاصمة ليوبليانا. انتظر المسلمون الذين يشكّلون 2.5% من السكان 40 سنة على أحرّ من الجمر وبفارغ الصبر قرار السلطات بمنحهم الأمل في تحقيق هدفهم ورغبتهم الدفينة منذ 1969 أي تاريخ تقديم أول طلب للسماح بالبناء. وبعد أن باءت جميع محاولاتهم بالفشل أثناء يوغوسلافيا الشيوعية، جدّد المسلمون رغبتهم ببناء المسجد عام 1993 أي بعد استقلال سلوفينيا عن يوغسلافيا لكن المسؤولين ماطلوا في إعطاء التصريح؛ الأمر الذي ألجأ المشيخة الإسلامية في سلوفينيا إلى المحكمة التي أعطت الحق للمسلمين عام 2004 ببناء المسجد. ورغم ذلك ظهرت عراقيل إدارية جديدة؛ إذ حاول معارضو بناء المسجد عرقلة المشروع مرتين عامي 2004 و2009. وكان قد وقّع نحو 12 ألف شخص التماسًا يطالب بإجراء استفتاء عام لكن المحكمة الدستورية في سلوفينيا قضت بأن ذلك لن يكون دستوريًا من ناحية الحرية الدينية.

عن هذه المرحلة العصيبة قال المفتي آنذاك لجريدة الشرق الأوسط: «هناك جدل كبير في الأوساط السلوفينية يشبه الجدل البيزنطي حول أحقية المسلمين ببناء مسجد. وخرجت القضية من كونها حقًا طبيعيًا للطوائف في سلوفينيا إلى مادة إعلامية، وللأسف فإن الكثير من وسائل الاعلام لم يبدِ أي تسامح تجاه حق المسلمين في بناء المسجد والمركز الإسلامي بلوبليانا، زاعمة أن المسجد سيكون وكرًا للإرهاب». واستطرد قائلاً: «التطرف والإرهاب أصبحا شماعة لكل من لا يريد للمسلمين أن يتمتعوا بالحرية التي وهبها الله لخلقه». وأعرب عن أمله في تخطي العقبات التي يضعها «أشخاص لم يُبدوا أي قدر من التسامح ومن القبول بالآخر»، مؤكدًا مواصلة «طريق القضاء للحصول على حقوقنا الطبيعية”. هذه المرحلة العصيبة للمسلمين في سلوفينيا لم يكن ممكنًا تجاوزها لولا مبادرة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالسؤال عن أحوال المسلمين؛ وذلك في 19 يوليو/تموز 2010 أثناء مأدبة عشاء أقامها الرئيس السلوفيني دانيلو تورك على شرف الأمير القطري أثناء زيارته الرسمية إلى ليوبليانيا. ويذكر المفتي السلوفيني في مقال له لجريدة بربورود Preporod البوسنية أنه كان مدعوًا إلى المأدبة وتعرف على الأمير الذي استفسر عن وضع المسلمين في سلوفينيا ووجد المفتي الفرصة سانحة لأن يفتح موضوع مشروع المسجد في حضور كل من الأمير ورئيس الجمهورية، وأبدى الأمير الضيف استعداد قطر لتبني المشروع بهدف «تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين». وكانت التقارير قد أشارت إلى أن الأمير ورئيس الجمهورية حقّقا وعدهما بتكثيف الروابط بين البلدين. والجدير بالذكر أن البلدين وقّعا عدة اتفاقيات في مجال الصحة والسياحة والتعاون في مشاريع استراتيجية طويلة الأجل، مع العلم بأن إحداها نصت على أن تقدم قطر منحًا من أجل إعادة تأهيل الأطفال المعاقين.

بعد ثلاث سنوات من هذه الزيارة، وأخذ وعطاء بين المسلمين والسلطات السلوفينية استمر أكثر من أربعة عقود، وضعت رئيسة حكومة سلوفينيا إلينكا براتوسك في 14 سبتمبر/أيلول 2013 حجر الأساس لأول مسجد في سلوفينيا قائلة: «إنه انتصار رمزي على كل أشكال التعصب الديني». مضيفة: إن أوروبا ما كانت لتكون بهذا الغنى الثقافي من دون الإسلام. وجرى الاحتفال أمام حشد من نحو عشرة آلاف شخص، بحسب ما نقل مراسل فرانس برس وبحضور كبار المسؤولين بدءًا من الرئيس السابق دانيلو تورك الذي فتح الموضوع مع الأمير، إلى عمدة ليوبليانا زوران يانكوفيتش الذي عمل جادًا لتخطي العقبات الإدارية ومهد الطريق لبدء الإنشاء. وكان من بين كبار الحضور وزير الأوقاف غيث بن مبارك الكواري على رأس الوفد القطري في حفل وضع حجر الأساس، وبحضور مدير إدارة التنمية الدولية بوزارة الخارجية القطرية أحمد المريخي الذي تابع بعناية تأسيس هذا المشروع. وأكد الوزير القطري في كلمته أن هذا المركز سيتيح إبراز صورة التعايش الواقع في هذا البلد، وسيمنح من جهة ثانية مسلمي سلوفينيا فضاء ثقافيًا وروحيًا يؤهلون فيه أنفسهم لخدمة سلوفينيا وبناء علاقاتها المتوازنة مع دول العالم الإسلامي، مضيفًا: «إن دولة قطر تعمل بجد لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في العالم وتأهيل الوسطاء الحضاريين من مسلمي البلاد غير الإسلامية للحوار من أجل بناء الثقة مع غير المسلمين». وبعد أن تم إبرام الاتفاقية بين المشيخة الإسلامية ووزارة الخارجية القطرية يُتوقع أن تبدأ أعمال البناء فعليًا في إبريل/نيسان الجاري على أن يُنجَز في خريف 2016. ويضم المسجد أيضًا مركزًا ثقافيًا ومكتبة وقاعات دراسة، وتبلغ مساحة الأرض الذي سيُبنى عليه المسجد نحو 12 ألف متر مربع، وسيبلغ ارتفاع المسجد 12 مترًا في حين أن ارتفاع المئذنة سيكون 40 مترًا. وبالنسبة لموقع المركز فهو يحاذي محطة القطارات في العاصمة ليوبيانا التي يمر فيها الطريق السريع الرابط بين غرب وشرق أوروبا؛ ولهذا السبب سيكون المركز بالغ الأهمية للمسلمين المارّين من هذا الطريق سواء كانوا عمالًا أو تجارًا أو رجال أعمال وغيرهم؛ حيث سيجدون في المركز المكان الملائم للصلاة والراحة والاستجمام والطعام وكل ما يحتاجونه في سفرهم قبل مواصلة الطريق، وهذا سيجعل ما لا يقل عن 3 ملايين نسمة لهم علاقة مباشرة ودائمة مع المركز الإسلامي في حِلّهم وترحالهم.

المشروع الرابع: مركز الحضارة الإسلامية في سكوبيا – الدولة: مقدونيا

في العاصمة المقدونية سكوبيا توجد قلعة عملاقة تقع في المركز الاستراتيجي للمدينة وتتوسط بين شطريها: الشرقي (المسلم) والغربي (المسيحي). وهناك على الشارع الرئيسي المؤدي إلى هذه القلعة، وأمام مسجد مصطفى باشا، -أقدم مساجد بلقان الذي بني في بداية القرن السادس عشر-، بنى آخر سلاطين الدولة العثمانية السلطان عبد الحميد الثاني عام 1892، مجمّعًا مكونًا من ثلاثة مبان خصص الواحد منهم ليكون مقرًا لوالي الولاية، والثاني للبريد بغية التواصل مع العالم، والثالث للمدرسة لتعد الأجيال القادمة، إلا أن عمر الدولة العثمانية لم يستمر كثيرًا بعد بناء هذا المجمّع. ومع انسحاب العثمانيين ونهاية حكمهم في جنوب شرق البلقان سنة 1912 بقي المجمّع تحت سيطرة مملكة صربيا آنذاك. كانت مشيئة الله هي التي منعت تدمير المبنيينِ (مقر الولاية والبريد)، أمّا المبنى الثالث (المدرسة) فدُمِّرَ كلّيًّا في عهد مملكة الصرب التي أعقبت الحكم العثماني؛ حيث لم يَبْقَ منه أي أثرٍ سوى بعض الصور التي تُحفظ في الأرشيف؛ فحسب بعض الروايات التي تدور بين الناس، كانت هذه المباني تُستخدم حتى الحرب العالمية الثانية لصالح الجيش، وفي أثناء فترة النظام الشيوعي استقرّت فيها شركة “روبن” الخاصة التي كانت تصنع الذَهَب، أَمّا بعد سقوط النظام الشيوعي فقد اشترت الشركةُ هذين المبنيين من الدولة وبقيت فيهما حتى سنة 2011 عندما اشترتهما مؤسسة “مركز الحضارة الإسلامية” منها بدعم قطري.

بعد إنشاء المؤسسة وتسجيلها عام 2006، والتي أُسست بمبادرة كل من الناشط الإسلامي والأكاديمي عدنان إسماعيل وكاتب هذه السطور بالتعاون مع النشطاء الآخرين، بدأت المفاوضات مع شركة الذهب لشراء المباني التي كانت تمتلكها آنذاك. وتزامنًا مع هذا كانت المؤسسة تبحث عن متبرعين وممولين لشراء المباني. بعد بحث مُرهِق وجدت المؤسسة ضالتها في دولة قطر، بفضل وساطة وزير خارجة تركيا أحمد داوود أغلو. وفي تاريخ 4 فبراير/شباط 2010 أخبر وزير الدولة القطري أحمد بن عبد الله آل محمود القائمين على المؤسسة بأن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد اعتمد تمويل مشروع شراء المباني، مشيرًا إلى أن موافقة سموه على طلب المؤسسة تأتي حرصًا منه على «الحفاظ على تراث المسلمين أينما وجدوا». وبهذا الاعتماد بدأت عملية البيع والشراء التي تمت بتوقيع العقد بين المؤسسة والشركة بتاريخ 4 فبراير/شباط 2011. وكانت الدولة المقدونية تمتلك في داخل المجمع عقارًا بمساحة 312 مترًا مربعًا مما حال دون امتلاك كامل المبنى. وفي زيارة رسمية لأمير دولة قطر إلى مقدونيا في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011 طلب من رئيس الحكومة المقدونية الموافقة على بيع هذا العقار للمؤسسة وهو ما كان؛ حيث وافقت الحكومة على ذلك بعد معارضة دامت أكثر من سنة، وتمّ بالفعل شراء هذه الممتلكات الحكومية بتاريخ 24 أغسطس/آب 2012. هنا يجدر بالذكر أن رئيس جمهورية مقدونيا غيورغي إيفانوف الذي كان يتمتع بصداقة حميمة مع الأمير لعب دورًا في هذه العملية. واللافت للنظر أن أمير قطر وأثناء زيارته لمقدونيا، ورغم مرور موكبه مشيًا من أمام المبنى، رفض الدخول إليه للإطلاع عليه ولم يرغب في التباهي بتمويله الذي تجاوز أربعة ملايين يورو في أولى مراحل المشروع وأظهر تواضعه الجم.

مع شراء جميع الممتلكات الواقعة في هذا المجمّع، حقّقت المؤسسة هدفها وتمكنت من إعادة هذا الوقف إلى أصحابه بعد مرور قرن كامل وهو في أيدي سواهم؛ وبذلك ولجت المؤسسة مرحلة جديدة في إنجاز أهدافها بعيدة المدى المتمثلة في الترميم الشامل للمبنيين وإعادة بناء المبنى الثالث الذي دمرته مملكة الصرب قبل مائة عام. وتولّت بلدية مدينة بورصة التركية دفع مصاريف إعداد الخطة الهندسية لترميم المجمّع رغبة منها في المساهمة بالمشروع لعلاقتها التاريخية بالمنطقة، وستبدأ المؤسسة بتنفيذ هذه الخطة حال حصولها على التمويل.

وسيحتضن المجمّع بعد إنجازه مقرًّا لثلاثة معاهد: معهد الدراسات البلقانية، ومعهد التفاعل بين الحضارات ومعهد الدراسات الشرقية والإسلامية، إضافة إلى مركز سيُعنَى بتنمية الإنسان والموارد البشرية فضلًا عن مكتبة عامة، والأرشيف العلمي، ومتحف التراث الإسلامي، وقاعة المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية، وفندق وقفي يعود ريعه للمؤسسة التي أُنشئت بهدف حماية وتطوير التراث الثقافي المشترك بين شعوب البلقان، والتوعية بالثقافة الإسلامية، وتعزيز التعاون في مكافحة العنصرية والتمييز والتطرّف والعنف، وتكريس الحوار بين الثقافات والحثّ على التسامح والتعايشِ السلمي بين الأديان والشعوب البلقانية المختلفة، إضافة إلى إنشاء شبكة التواصل والتعاون المشترك لتبادل المعلومات مع المؤسسات المماثلة والهيئات الحكومية، المحلية والإقليمية والدولية، والتعاون مع المؤسسات المماثلة في كل دول البلقان ودول الغرب وتركيا والعالم العربي والإسلامي. وتتميز مؤسسة مركز الحضارة الإسلامية في مقدونيا بأنها تحتضن في مجلسها الاستشاري شخصيات أكاديمية وعلمية واجتماعية، مسلمة وغير مسلمة، معروفة من جميع أنحاء البلقان ومن تركيا وقطر؛ وهم يجتمعون مرّة في السنة على الأقل، ليناقشوا مشاريع المؤسسة وتقديم اقتراحاتهم لخدمتها وخدمة المؤسسات والمشاريع المنبثقة عنها.

تحظى منطقة البلقان بأهمية كبيرة حيث تلتقي وتتعايش (أو تتصادم) فيها شعوب ولغات وثقافات متنوعة؛ فقد عاشت فيها شعوب عبر القرون اتصفت بصفات ومميزات مشتركة حتى إن التشابه يمكن لحظه في لغات شعوب هذه المنطقة. وبناء على هذه الحقيقة، فليست مدينة سكوبيا عاصمة البلد فحسب بل هي أيضًا عاصمة تتمركز فيها جميع الشعوب واللغات والثقافات المختلفة الموجودة في البلقان؛ فهي المكان المناسب لتأسيس هذه المؤسسة العلمية والثقافية. مقدونيا مرشحة أن تلد من رحمها في المستقبل ما ستسمى بـ”حضارة بلقانية” كنقطة استراتيجية يلتقي فيها الشرق مع الغرب ويمكن أن تكون منطقة مثالية للحوار والاتصال بين الحضارات والأديان، كل ذلك بدعم دولة لم يكن لها في التاريخ القديم أية صلة أو دور بمنطقة البلقان، ولكن وبفضل نعمة المال الذي وهبه الله لها، فإنها تسخّره من أجل بناء العلاقات في الشرق وفي الغرب بهدف ترقية الإنسان أياً كان وأينما هو كان.

الخلاصة والنتيجة

قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي فتحت سفاراتها في كامل تراب البلقان: في سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وألبانيا. وهي بذلك تسعى لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع هذه المنطقة الاستراتيجية التي تربط الشرق الإسلامي (المنطقة العربية وتركيا) بالغرب المسيحي (أوروبا)، وهي تستثمر في المجال الاقتصادي والتنمية البشرية أكثر من استثمارها في المجال الثقافي الذي سبق التعرض له في هذا المقال. كما أن دعمها للمشاريع المذكورة آنفًا هو دعم لمؤسسات بنت وتبني عقولاً سليمة وأجيالاً من المفكرين طيلة سنوات مديدة، ودعم لتمكين الفكر الإسلامي التنويري المنفتح على الآخر والمتعاون مع غير المسلمين، كما أنه وفاء بواجب تجاه التراث الحضاري الإسلامي والإنساني؛ حيث إن مكتبة الغازي خسرو بك في سراييفو والمجمّع في سكوبيا برمزيتهما وكامل كنوزهما يشكّلان تراثًا إنسانيًا يجب تأمينه للأجيال الراهنة والقادمة.

وانطلاقًا من دول البلقان، الأكثر تميزًا أوروبيًا بالاختلاط والتعايش الديني والعِرقي، وبعد النجاح الذي كان حليف السياسة القطرية في هذه المنطقة، يُتوقع أن تشهد بعض مدن الدول الأوروبية الغربية الأخرى مثل ميونيخ بألمانيا في الفترة القادمة دورًا ملحوظًا لدولة قطر في دعم المشاريع المماثلة. ونذكر مشروعين حديثين في كل من إيطاليا والدنمارك كنموذجين لذلك:

المركز الإسلامي الثقافي في مدينة “كولي فال ديسا” في منطقة توسكانا الإيطالية؛ حيث نفذته جمعية قطر الخيرية ودشنته في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بحضور وزير الثقافة الإيطالي، وعمدة المدينة ومطران والحاخام الأكبر. وقد أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر الخيرية يوسف بن أحمد الكواري في كلمة له بالافتتاح، على حرص قطر الخيرية على دعم المشاريع التي ستكون «منبرًا يدعو إلى التسامح ونشر القيم الإسلامية المعتدلة إسهامًا في تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام الحنيف لدى الغرب».

وأما في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن فيُنتظر افتتاح “مركز حمد بن خليفة الحضاري” في شهر مايو/أيار القادم 2014 والذي سيكون أول مركز ثقافي إسلامي وجامع في الدنمارك بعد مرور نصف قرن على وجود المسلمين في هذه المدينة. وأُنشئ هذا المركز على نفقة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بقيمة 17 مليون دولار. وتبلغ مساحة البناء زهاء 7000 متر مربع. ويشيد عبد الحميد الحمدي رئيس المجلس الإسلامي الدنماركي بالدعم القطري للمشروع، ويقول: «أمير دولة قطر رعى المشروع ماديًا ومعنويًا حتى وصلنا إلى هذا الإنجاز الحضاري الأول من نوعه في الدنمارك والدول الإسكندنافية. لا شك أن الترحاب الذي سمعناه من النخب السياسية ومن الرأي العام الدنماركي في القنوات التلفزيونية الرسمية، يحفزنا أكثر لنكون إضافة نوعية للمجتمع الدنماركي المتعدد ومساهمين في نمو هذا البلد واستقراره». قطر تدرك جيدًا أن مخاطبة الخارج مهمة جدًا خاصة في بلد خرجت منه الرسومات الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام؛ لذلك يعد اختيار الدنمارك لهذا المشروع موفقًا للغاية. وكان قد اقترح نشطاء مسلمين في الدنمارك عقب نشر هذه الرسومات الرد على الرسوم المسيئة بإنشاء مركز إشعاع حضاري للتعريف بالإسلام ومجابهة الحجة بالحجة والفكر بالفكر والحوار بالحوار لا بالعنف والابتزاز؛ الأمر الذي تحمست له القيادة القطرية وقدمت كل أشكال الدعم له دون شروط أو قيود «بهدف أن يكون المركز لبنة وجسرًا من أجل تحقيق الحوار بين الإسلام والحضارات الأخرى ومحورًا للحوار والتقارب بين الحضارات. نعتبر المركز فضاءً عامًا يشترك فيه المسلمون وغير المسلمين من أجل الحوار في جميع القضايا والتحديات التي تواجههم، سواء المسلمون الدنماركيون أو غيرهم» حسب محمد الميموني رئيس قسم الإعلام بالمجلس الإسلامي الدنماركي.

أدركت قطر ضرورة بناء مراكز حضارية جديدة في أوروبا لمخاطبة الغرب فكريًا وتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام، بعد أن شوهه الفكر المتطرف الذي لا يحظى بأي دعم قطري؛ لذلك فإن إقامة هذه المراكز الحضارية سيمحو الصورة النمطية للمسلمين، ويساهم في التعريف بالإسلام وبقطر وسيزيل الأحكام المسبقة عنهما. وسوف يكتشف الإنسان الأوروبي مع الزمن أن اتهامات الإسلام والمسلمين بالإرهاب التي يتم الترويج لها من خلال بعض المنابر لا تهدف إلا إلى خلق العداوة والكراهية بين المسلمين وغيرهم. ومبادرات قطر ستنقل المسلمين في أوروبا من دائرة ردّ الفعل إلى دائرة الفعل والتفاعل. وستعزز هذه المشاريع وغيرها ثقافة التسامح والاعتدال وستعزز سمعة قطر إقليميًا ودوليًا على المدى القصير والبعيد، كما أن هذه المشاريع تؤكد من جديد على عمق الروابط بين الدول والشعوب الإسلامية، المتباعدة جغرافيًّا ولكن المتقاربة ثقافيًّا وحضاريًّا. وهذا يُشكّل رسالة كبيرة لمن يقصد تشويه صورة قطر في أوروبا حسدًا من عند نفسه بعد ما تبين أن قطر لا تسعى إلا إلى الخير ولاتدعم إلا أولوا الألباب والإعتدال. ولا حسد إلا في دولة آتاها الله مالاً فسلّطت أكثر من مليار يورو على العالم في الحق؛ فهو حسد ممدوح، أما المذموم فليُعلَم أنّ الحسود لا يسود.

أصبحت دولة قطر أكثر شهرة في أوروبا ليس فقط من خلال قناة الجزيرة أو وقوفها مع الشعوب العربية التي ثارت على الفساد وأبت أن تركع أكثر للأنظمة المستبدة، بل ومن خلال دعمها للمشاريع الحيوية التي لها صدى واسع في المجتمع. وبذلك اكتسبت تعاطف الشعوب المسلمة في أوروبا الشرقية والغربية وباتت في نفوسها عزيزة. ويكمن تعاطف الشعوب مع قطر أيضًا في إخلاصها في الدعم الذي تقدمه؛ إذ هي لا تتدخل في شؤون المؤسسات التي تقوم بتنفيذ المشاريع ولا تملي عليها شروطًا ورؤى في تفسير الدين أو فهمه أو ممارسته.

هذه المشاريع وما سيُبنى في المستقبل، سيقصّر المسافات المتباعدة بين المسلمين وغيرهم، وسيكسر الحواجز التي تحول دون تلاقيهم، وسيخلق أرضية فكرية علمية وعملية تؤكد أن العالمين العربي/الإسلامي، والأوروبي جناحان لمنظومة حضارية تتكامل فيها المعرفة والخبرات والموارد الاقتصادية والبشرية؛ ما قد يؤسس لأقوى كتلة اقتصادية وجيوسياسية-أمنية وثقافية في العالم المتحضر.

(بنيامين إدريس)

بدون تعليقات

Sorry, the comment form is closed at this time.