والذين يؤذون رسول الله لهم عظيم

17 سبتمبر والذين يؤذون رسول الله لهم عظيم

الإساءة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بدءا من الرسومات المخجلة للدنماركيين، وانتهاء بالفيلم الأخير المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي تدور شبهات كبيرة حول منتجيه وداعميه ومن يقفون خلف خروجه إلى حيز الوجود، حيث هناك إشارات صحفية إلى أن يكون المحامي المصري موريس صادق والمعروف بحقده الكبير على الإسلام أحد أهم الأشخاص الذين يقفون خلف إنتاج هذا الفلم والترويج له عبر موقعه على الإنترنت وعبر مجموعة من القنوات التلفزيونية الأخرى، وسواء كان هذا الفلم من صنيعة هذا الرجل الحاقد أو غيره من اليهود المجرمين، أو غيرهم فإن سبِّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس حدثا عابرا قامت به حفنه من أراذل الكفار مُلئت قلوبهم غيظا وحنقا على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقاموا يمثلون وينكتون ويسخرون .بل لو كان الأمر كذلك لكان مما يسعه الصدر ـ على جرمه ـ إذ أن مجاراة السفهاء أمر يترفع عنه العقلاء . . .ولكن .. الأمر أعمق من هذا كله .هذه الأمور ليست إلا كما يقول الله عز وجل : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) (آل عمران : من الآية 118 )
ويقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز : “لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور” (186 آل عمران).فالله تبارك وتعالى وصف الأذى المسموع من هؤلاء بالكثرة (أذى كثيرا) وهذا يدل على أن حربا إعلامية ستعلن على الإسلام ومقدساته لتشويه دعوة الاسلام وتلويث سمعة رموزه والتشكيك في سيرتهم وسريرتهم، وهي حرب أسلحتها الدس والتحريف والافتراء.

ولا ريب أن الإساءة للرسولصلى الله عليه وسلم مما يتنافى مع مبادئ وأسس الشرائع السماوية التي جاءت باحترام الأنبياء وتَنْزيههم عما يسيء إليهم ، قال الله تعالى في القرآن العظيم : (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) [سورة البقرة، الآية:136].

كما توعد الله جل وعلا كل من وقف موقف العداء والإساءة للرسل الكرام فقال سبحانه: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) [سورة البقرة، الآية:98] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تبين مكانة الأنبياء وسوء عاقبة من اعتدى عليهم أو أساء إليهم.

بل إن تكذيب نبي واحد من النبيين تكذيب لسائر الأنبياء، ولهذا جاء في القرآن ما يؤكد ذلك قال تعالى (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) الشعراء (123)لأن تكذيب رسول واحد تكذيبٌ لكل الرسل؛ لأنهم جميعاً جاءوا بقواعد وأصول واحدة في العقائد وفي الأخلاق. وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) سورة النساء (152)

كما أن تلك لأعمال الساخرة بالنبيين عليهم الصلاة والسلام مما تمنع منه التشريعات الإنسانية والدساتير الدولية لما فيه من الاعتداء المعنوي على الآخرين ، بل على أشرف البشر ، وهم الرسل ، بل على سيدهم وسيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم ، ونذكِّر في هذا المقام بالقرار الذي تبنته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (بتاريخ 3/3/1426 هـ – الموافق12/4/2005 م ) الداعي إلى محاربة تشويه الأديان ، لاسيما الإسلام ، بسبب تكرر الإساءة إلى مقدسات المسلمين.

ومن جملة ما يدعيه أصحاب هذه الإساءات ومن ينشر إساءاتهم أنها داخلة في إطار حرية الإعلام والتعبير عن الرأي ، وهذا الادعاء غير صحيح ؛ ذلك أن الإعلام له أخلاقيات يجب التزامها، ومن هذه الأخلاقيات عدم الإساءة غير المبررة للآخرين ، كما أن التعبير عن الرأي ليس على إطلاقه بل إنه يقف عن حدود الإخلال بحقوق الآخرين ، ومن أعظم حقوق الآخرين مراعاة كرامتهم الإنسانية مهما كانت منزلتهم ، فكيف إذا كانوا من أكرم الخلق وهم الرسل عليهم السلام، فكيف بمقدمهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم إنَّ خبراء القانون الدولي يؤكدون أنه لا توجد حرية مطلقة إلا فيما يخص حرية الاعتقاد والتفكير، أما التعبير فهو سلوك اجتماعي يَرِدُ عليه التنظيم في أي مجتمع متحضر، وعند خبراء القانون فضلاً عن الشريعة الإسلامية، أن حرية التعبير يسبغ عليها القانون حمايته طالما ظلت تخدم أية قضية اجتماعية، ولا تشكل عدواناً على الآخرين،

ويؤكد خبراء القانون أنَّ كل القوانين تُجَرِّم سبَّ الأشخاص والقذف في حقهم، حيث لا يمكن أن يعد ذلك نوعاً من حرية التعبير، لأنَّ السَّب في هذه الحالة يعد عدواناً على شخص آخر، ومن ثَمَّ فإن الأولَى بالتجريم هو من يسب نبي الإسلام الذي يؤمن بنبوته ورسالته ربع سكان الكرة الأرضية.

على أن الواقع يبين أن دعاوى حرية الإعلام والتعبير عن الرأي لدى تلك الجهات المحتضنة لهؤلاء الحمقى ينقضها ما يشاهده العالم من ازدواجية المعايير بحسب المصالح والشخصيات. فيمن ينكر أو حتى يبدي النقاش حول ما يسمى بالهولوكوست (محرقة النازيين لليهود) يجرجر إلى غياهب السجون والمحاكمات التي لا نهاية لها كما جرى للمفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي.

وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إذ قال: وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أُهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول أو العمل ، ولعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يَتُبْ إلا ولا بد أن يصيبه الله بقارعة.

ومن الغريب أن الذين تتابعوا على محاولة الإساءة للمقام العالي الشريف والجناب السامي الرفيع (جناب سيدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هم من المنتسبين لشريعة المسيح عيسى بن مريم ، عليه وعلى أمه أفضل الصلاة وأتم السلام.

وهؤلاء لو كانوا صادقين في التزام شريعة المسيح وكتابه المقدس لكانوا من المتابعين والمستجيبين لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوصى المسيح ، وهو ما جاء مبيناً في قول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) [سورة الصف، الآية:6].

ومن وقف على النسخ الصحيحة من الإنجيل فسيجد البشارة من المسيح عليه السلام بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه ، بل إنَّ الكتب المقدسة المنزلة على الأنبياء وبلاغاتهم جميعاً لأممهم فيها الأمر بتصديقه واتباعه ونصره ، كما أخبر الله بذلك في الكتاب المقدس المهيمن على ما سبقه من كتب وهو القرآن الكريم ، وهو قوله جلَّ وعلا: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) [سورة آل عمران، الآية:81].

وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [سورة الأعراف ، الآية:157].

وكان المنتظر في أقل الأحوال من المنتسبين لشريعة المسيح عليه السلام أن يكونوا من المدافعين عن الرُّسُل ، وعن خاتمهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وأن ينصفوا في وصفه كما صنع جدهم هرقل قيصر الروم، وكما صنع النجاشي ملك الحبشة وغيرهم من أهل العدل والإنصاف في مختلف العصور ، وقد سجل القرآن الكريم هذه المواقف النبيلة في مقام المدح والثناء فقال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) [ سورة المائدة : 83].

ويجب علينا أهل الإسلام أن نقف مواقف صدق تكون حكيمة وحضارية وعملية ، عاجلة وطويلة المدى للإسهام في التعريف برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم تعريفاً يمنع كل جاهل من الإساءة إليه أو تنقصه.

وينبغي أن نعلم أنه لا خوف على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنابه الشريف ، فقد حماه الله وعظم شأنه ، كما قال سبحانه: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر، الآية:95] وكما قال جل وعلا: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [سورة الشرح، الآية:4] ، وغيرهما من الآيات ، وإنما الخوف والخشية علينا إن قصَّرنا فيما أوجب الله علينا من نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد (25).

وينبغي أن ندرك أن متابعتنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم والإستمساك بسنته والعمل بها من أعظم مظاهر الإيمان به ، وهو ما يغيظ الأعداء والحاسدين ، وهذه المتابعة والنصرة هي منزلة الفلاح التي قال الله عن أهلها: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ سورة الأعراف، الآية:157].

اللهم وصلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ما تعاقب الليل والنهار ، وصلِّ اللهم عليه وسلِّم كلما ذكره الذاكرون الأبرار.
وبالله التوفيق

الشيخ أحمد حاج قاسم

بدون تعليقات

Sorry, the comment form is closed at this time.