اختتام فعاليات للمائدة المستديرة ” “رؤية دينية للأزمة الاقتصادية العالمية”

05 مايو اختتام فعاليات للمائدة المستديرة ” “رؤية دينية للأزمة الاقتصادية العالمية”

اختتمت مساء أمس فعاليات الندوة التي نظمها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بالتعاون مع مركز شركاء الأرض بلندن بحضور كوكبةٍ من العلماء المختصين والأكاديميين وأصحابِ التجارب في مجال الاقتصاد الوضعي والإسلامي داخل الدوحة وخارجَها حول “رؤية دينية للأزمة الاقتصادية العالمية والتي تمت على مدار يومي 3-4 مايو 2009، للخروج بطرح البديل العمليّ، والعلاج الناجع النابع من المنظومة التشريعية والفلسفية الإسلامية للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي تشكل خطراً داهماً وكبيراً على العالم لما لها من انعكاساتٍ سلبية على الدول الغنية قبل الفقيرة. وتخللت هذه الندوة العديد من المحاضرات والمناقشات التي تناولت الأزمة المالية أساببها وطرق الخروج من هذه الأزمة من منظور إسلامي.

وشهدت فعاليات أمس العديد من الجلسات قدم فيها المشاركون رؤيتهم حول مفهوم الأزمة من الناحية الإسلامية وفي الجلسة الأولى أمس القى د.عبد الحافظ الصاوي خبير اقتصادي محاضرة تناول فيها السياسات الاقتصادية التي يقدمها النظام الاقتصادي الإسلامي؟ التي يرجى منها تحقيق الاستقرار الاقتصادي الايجابي، لتلافي سلبيات السياسات الاقتصادية للنظم الاقتصادية الأخرى ببيان الملامح العامة للسياسات الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي، في إطار ما هو معروف من المكونات الثلاث الرئيسية للسياسة الاقتصادية وهي السياسة المالية، السياسة النقدية والسياسة التجارية.

وأوضح د.الصاوي في محاضرته أن السياسة المالية تظهر بوضوح من خلال أبرز آلياتها وهي الموازنة العامة للدولة، ومن خلالها يمكن الوقوف على محاور مهمة أهمها الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وكذلك تخصص موارد المجتمع بين القطاعين العام والخاص. إلا أن المعروف والشائع أن الموازنة في ظل النظم الاقتصادية الأخرى، تعاني من قضايا العجز والفائض، مما يترتب عليه استخدام أدوات مالية تساعد على استمرار الأزمات الاقتصادية، مثل اللجوء إلى مزيد من الضرائب أو الاقتراض العام في حالة العجز، أو عبء توظيف الموارد في حالة الفائض.

وأشار إلى أن السياسة المالية في النظام الإسلامي تعتمد على تقدير إيرادات لها نفقات محددة، وفي حالة عجز الإيرادات عن النفقات، فإن أول ما تلجأ إليه الدولة هو دعوة الأغنياء للتبرع، أو دعوة الأغنياء للمشاركة في الاستثمار بالمشروعات العامة من خلال آليتي المشاركة والمضاربة. فإن لم تجد اتجهت إلى الاقتراض من مواطنيها مع التيقن من القدرة على السداد، فإن لم يتوفر ذلك لجأت الدولة إلى التوظيف في أموال الأغنياء (الضرائب). وهذا الباب له ضوابطه وليس على عواهنه، فلا بد أن تكون الضرائب لسد نفقة بعينها، فإن انتهت الحاجة ألغيت الضريبة. وقد اشترط في حالة لجوء الدولة لفرض الضرائب أن تتسم بالعدالة الضريبية، وأن تنفق في حاجة عامة ومشروعة، وأن تقر من أهل الاختصاص، وأن تخضع للرقابة الشعبية. وقد اشترط العز بن عبد السلام على السلطان قطز لكي يفرض ضرائب على الناس، ألا يبقي منها شيئاً في بيت المال، وأن تبيع الدولة ما لديها من كساء مذهب مخصص للسلطان والأمراء والحاشية وأن يبيع الجند ما لديهم من أموال وآلات فاخرة. فولي الأمر ليس معنيا بالجباية، وإنما معني بعمارة الأرض، أو باصطلاح العصر بالتنمية. وفيما ورد عن الإمام علي في هذا المجال إلى وليه في مصر خير بيان:

وأشار د.الصاوي إلى حد الكفاية لجميع أفراد المجتمع وان حد الكفاية يرتبط بشكل مباشر بالفلسفة العامة للإسلام في رؤيته للمشكلة الاقتصادية حيث يرى حلها هدف رفع مستوى المعيشة وتحسنه لا مجرد توفير الضروريات الأساسية لان الغاية من وجود الإنسان هي الاستخلاف وليس فقط ان نلبي طلباته المعيشية دون أن يتمكن من الحركة..وهذا المعنى يسمى بحد الكفاية والذي يعرف بأنه “الحد الذي يوفر للفرد متطلباته بالقدر الذي يجعله في بحبوبة من العيش، وغنى عن غيره”، وهو يختلف عن حد الكفاف الذي يعرفه الاقتصاد الوضعي الذي يشير إلى الاقتصار على توفير الحد الأدنى اللازم للمعيشة، والمتعلق بمتطلبات البقاء أو الحاجات الأساسية الجوهرية التي لا يستطيع المرء أن يعيش بدونها، فالإنسان الذي يعيش على حد الكفاف هو إنسان عاجز عن الإنتاج أو العطاء، فضلا عن الابتكار وتحقيق تنمية.

وأكد د. الصاوي أن حد الكفاية لا يقتصر على إشباع المقاصد الضرورية فحسب، وإنما يشمل أيضا إشباع المقاصد الحاجيه التي لا توقع الإنسان في المشقات والحرج، وكذلك المقاصد التحسينية وهي الأشياء التي لا تصعب الحياة بدونها، لكنها تسهل الحياة وتحسنها، ويضاف إلى ذلك المقاصد الكمالية التي تحفظ على الناس مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وذلك كلما سمحت موارد المجتمع.

وأضاف :يتصف حد الكفاية بالمرونة حسب الزمان والمكان، وقد عبر عن هذا المعنى الإمام باقر الصدر فقال: “الكفاية من المفاهيم المرنة، التي يتسع مضمونها كلما زادت الحياة العامة في المجتمع الإسلامي يسرا ورخاء. وعلى هذا الأساس يجب على الدولة أن تشبع الحاجات الأساسية للفرد من غذاء ومسكن ولباس، وأن يكون إشباعها لهذه الحاجات من الناحية النوعية والكمية في مستوى الكفاية بالنسبة إلى ظروف المجتمع الإسلامي”. ويتابع قائلا: “كما يجب على الدولة إشباع الحاجات الأساسية من سائر الحاجات التي تدخل في مفهوم المجتمع الإسلامي عن الكفاية، تبعا لمدى ارتفاع مستوى المعيشة فيه”.

وتابع د. الصاوي قائلا:من هنا نرى الفرق بين مستوى المعيشة وفق رؤية المعنيين بالفكر الاقتصادي الغربي والفكر الإسلامي، حيث إن مستوى المعيشة وفق الرؤية الإسلامية لا يرتضي أن يعيش الإنسان بعيدا عن مكوناته النفسية التي تتطلع إلى أن تحيى لتتنعم بموارد المجتمع في إطار الحلال..ولكن لا بد من استيعاب أن المجتمع المسلم حينما يوفر هذا القدر من المستوى المعيشي اللائق بالآدمية، فإنه يقوم على أسس لا يمكن الاستغناء عنها: أولها صلاح الحاكم والدولة، وثانيها عدالة النظم الاجتماعية والاقتصادية السائدة بها، بما يضمن عدالة توزيع الثروة، أما ثالث الأسس فهو قيام المجتمع الأهلي بالدور المنوط به من مراعاة مبادىء الإسلام تجاه الإنسان لأخيه الإنسان، فلا تؤخر الزكاة، ولا يضن المجتمع بالصدقات، ولا يكون هناك نوع من السرف المذموم أو الأنانية.

تحقيق الاستقرار الاقتصادي

وأشار إلى إن مما يؤخذ على الممارسات الاقتصادية للعديد من الدول هذا التنافر بين متطلبات السياسة المالية والسياسة النقدية، ولكن النظام الاقتصادي والإسلامي يتسم بالوسطية. فمجموعة السياسات الاقتصادية المنبثقة من النظام الاقتصادي الإسلامي، تستطيع أن توفر الاستقرار الاقتصادي المحمود وليس الاستقرار المرتبط بالجمود أو السكون – من خلال تنمية شاملة ومستدامة تنهض بالإنسان وتعمر الكون في إطار من المنافسة الداعية للتعايش وليس الانفجار. ويقصد بالاستقرار تلك السياسة الاقتصادية التي تؤدي إلى تشغيل العمال وثبات الأسعار وازدياد النمو.

التنمية وتحدياتها

ومن خلال محاضرة القها د. على محيي الدين القره داغي أستاذ الفقه بجامعة قطر تناول فيها التنمية وتحدياتها ومنهج الإسلام فيها حيث قال: أن الغرب يقسم العالم من الناحية الاقتصادية إلى ثلاثة عوالم العالم الأول : وهو العالم الغربي الذي يشمل أوروبا الغربية ، وأمريكا الشمالية واستراليا والذي يوصف بالمتطور الغني الصانع ، ويلحق به اليوم يابان ، وربما الصين في المستقبل القريب ..والعالم الثاني : وهو يمثل الاتحاد السوفيتي ، والدول الأوروبية الاشتراكية ، واليوم يمثل روسيا ، والصين ، وأوروبا الشرقية ، والهند .إما العالم الثالث : وهو يشمل أفريقيا كلها ، ومعظم آسيا ، وأمريكا الجنوبية ، أي ما عدا العالمين السابقين ، ويدخل فيه عالمنا الإسلامي ، بل يمثل ثلاثة أرباع العالم كله ، وهذا ما سنفصل فيه مع التركيز ..من خلال النظر في الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء يتبين لنا أن التنمية الشاملة في الفكر الإسلامي يمكن تعريفها باعتبارين : باعتبار حقيقتها ، وباعتبار نتيجتها .

التنمية في الفكر الإسلامي

وأشار الى انه من خلال النظر في الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء يتبين لنا أن التنمية الشاملة في الفكر الإسلامي يمكن تعريفها باعتبارين : باعتبار حقيقتها ، وباعتبار نتيجتها هي الارتقاء بالروح بتحقيق متطلباتها من الإيمان والعقيدة الصحيحة ، ومن الحرية ، والاطمئنان ، وبالنفس توفير الأمن النفسي ، والاجتماعي ، وبالبدن بتحصيل متطلباته المادية والاقتصادية المشروعة .. ثم إن الارتقاء والنماء في المجالات الثلاثة يبدأ بالضروريات للوصول إلى الحاجيات ، ثم منها إلى التحسينات ، ثم داخل التحسينات يكون هناك الارتقاء حسب الكم والكيف ، فهي إذن في نماء مستمر ، وزيادة مطردة للفرد والمجتمع دون أن تعرف التوقف ، لأن التوقف هو عين التأخر .

وأشار إلى أن المؤشر للتنمية الشاملة هو تحقيق النتيجة السابقة ، ولكنه من جانبه الاقتصادي نستطيع القول بأن مؤشر نجاح التنمية يكمن بالنسبة للفرد هو : الخروج من حد الكفاف ( الفقر ) إلى حد الكفاية ، للوصول إلى تمام الكفاية ..وبالنسبة للمجتمع الوصول إلى الاكتفاء الذاتي زراعياً ، وصناعياً ، وتجارياً ، مع تحقيق القوة الاقتصادية المتكاملة والقوة السياسية والعسكرية ، والتحرر من التبعية بكل أشكالها من خلال التقدم العلمي والتكنولوجي ، والإبداع والقدرة على المساهمة الفعالة في إدارة النظام الدولي وتحقيق أمة الشهود بالحق والعدل .

أهمية التنمية وحكمها

وعن أهمية التنمية وحكمها قال د. على محيي الدين إن التنمية الشاملة بالمعنى الذي ذكرناه هي الغاية من إنزال الكتب وإرسال الرسل ، فالله تعالى أنزل هاديته لتتحقق للناس سعادة الدنيا والآخرة ، ويتحقق لهم الخير كله والرحمة كلها ، وأن الشعائر التعبدية كلها لتحقيق العبودية لله تعالى ولإصلاح الإنسان حتى يكون صالحاً لأداء رسالته على الأرض وهي الاستخلاف والتعمير والعمارة والحضارة.

هذا وكانت الندوة قد افتُتحت أمس الأول بكلمة الدكتور إبراهيم صالح النعيمي رئيس مركز الدوحة للحوار، ورحب فيها بالسادة الحضور والمشاركين وبيَّن فكرة هذه الطاولة المستديرة التي جاءت من خلال رصد أكبر أزمة اقتصادية يمر بها العالم، ومحاولةِ دراستها من منظور إسلامي.

ثمّ جاءت كلمة الدكتور محمود عاكف المدير التنفيذي لمركز شركاء الأرض في الحوار بلندن، وتحدث فضيلته عن المركز ودورِه في مد جسر الاتصال والتفاهم بين شعوب العالم كافة على أساس أنّ الجميع مشتركون في الأرض وحمايتُها واجب الجميع. وبعدها جاءت كلمة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين حيث ركز فيها على نظرية الاستخلاف في النظام الاقتصادي الإسلامي، ودور الإنسان في صناعة الأوضاع الخانقة والأزمات من خلال كفره بالله تعالى وعدم شكره له بتقدير نعمه الظاهرة والباطنة عليه، وإصلاحُ هذا الإنسان كفيل بإصلاح تلك الأوضاع.

بدون تعليقات

Sorry, the comment form is closed at this time.