أزمة حصار قطر نموذجا

مناقشة دور الحوار في حل الازمات : أزمة حصار قطر نموذجا

في ندوة حاشدة نظمها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان

النعيمي: لا يمكن حل أي خلاف إلا بالحوار المباشر والصريح والشفاف

المناعي: الأزمة اتسمت بـ”السقوط الاخلاقي” لكل شي

القرة داغي: ترتبت على الحصار ١١ معصية كبرى على رأسها قطع الرحم

الحرمي: الاعلام القطري يستند على الحق بعكس الاخرين الذين يقتاتون الكذب

السليطي:  يجب تشكيل لجنة للاستفادة من دروس هذا الحصار

 

نظم مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في السابع والعشرين من الشهر الجاري، ندوة فكرية بعنوان “دور الحوار في حل الازمات : أزمة حصار قطر نموذجا”، وشارك في كل من  فضيلة الدكتور على محي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والإعلامي المتميز جابر الحرمي، والكاتب عبدالله حيي السليطي ، والأستاذة الدكتورة عائشة المناعي مدير مركز محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين في الحضارة، وأدار الندوة الأستاذ الدكتور  إبراهيم النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان.

وتضمنت الندوة 4 محاور أساسية،  حيث كان المحور الأول لهذه الندوة الحاجة إلى الحوار، ولماذا غاب عن أزمة الحصار؟!، وتناول المحور الثاني: أزمة الحصار وأساليب حلها من المنظور الشرعي،  فيما تفرد المحور الثالث بتقييم الخطاب الإعلامي في التعاطي مع أزمة الحصار، وأخيرا المحور الرابع والذي تناول الدروس المستفادة من أزمة الحصار.

وفي كلمته بالندوة، قال الأستاذ الدكتور  إبراهيم النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان:  إن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان منذ تأسيسه في 2007 دأب على طرح العديد من الموضوعات المتعلقة بالحوار وآدابه وأصدائه وأنواعه ومخرجاته، وتجارب الحوار حول العالم سواء في مجال الأديان أو حتى الثقافات والحضارات، وهذا اقتداء طبيعي لتوجه دولة قطر الحديثة التي منذ تأسيسها من قبل المؤسس الشيخ جاسم، وسار على نهجه جميع من جاء بعده من حكام قطر،  فعُقدت في قطر المؤتمرات، وطُرحت القضايا سواء الإقليمية أو الدولية، على طاولة الحوار في قطر في عدة مناسبات ومنها الأزمة اللبنانية وقضية دارفور، وغيرهما من القضايا الشائكة التي نجحت قطر في قيادتها إلى بر الأمان، بفضل حكمة القيادة القطرية، مما جنب العديد من الدول الحروب والكوارث.

   وأضاف النعيمي، متحدثا عن الأزمة الأخيرة: وكانت- والحمد لله- دول الخليج بعيده عن هذه الكوارث، حتى حدث الزلزال البشري في الخامس من يونيو الماضي الذي ضرب قلب الخليج وفي دولة قطر بالتحديد، وكنا نتوقع أن هذا الزلزال سوف يزول بسرعة كما حدث بسرعة، ولن تكون له أية ارتدادات أو تبعات زلزالية لاحقه ولا حتى تسونامي، ولكن هذه الأمنية وهذه الدعوة الصادقة من أهل قطر والمحبين لدولة قطر لم تتحقق، وإنما تبع ذلك الزلزال ارتدادات وتبعات زلزالية إعلامية واجتماعية وثقافية وسياسية وحتى رياضية وفنية.

وأكد على أهمية أن لا ينزل الخلاف إلى مستوى الشعوب، وإن كان ما حصل مخالف لذلك، حيث قال: من الضروري أن هذا الخلاف لا ينزل إلى مستوى المجتمعات والشعوب، وإنما يبقى على مستوى متخذي القرارات السياسية؛ فالخلافات السياسية أو حتى التحالفات هي أمورٌ واقعةٌ بين كلِّ الدول، ولها أسبابها وأبعادها التي قد تغيب عن الشعوب ويدركها السياسيون، وهذه الخلافات من المفترض ألا تتأثر بها الشعوب وأفرادها ولا تمس حقوقَها أو حرياتِها أو حتى العلاقات الإنسانية االقائمة بين تلك الأفراد، وهذا مايؤتؤكد عليه المادة (40) من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان التي تنص على أنه لا بدَّ أن تكون الصراعات السياسية بمنآى عن حقوق الشعوب الفردية والجماعية ، وهذا للأسف لم يحصل في قضية حصار دولة قطر وإنما بدأ الحصار من اليوم الأول على المواطن والمقيم برا وبحرا وجوا.

ودعا الدكتور إبراهيم النعيمي إلى الحوار، كحل وحيد للأزمة، قائلا:  إن الخلاف مهما كان حجمه مصيره إلى طاولة الحوار، ولا يمكن حل أي خلاف إلا بالحوار المباشر والصريح والشفاف بما يضمن حقوق الأطراف المشاركة فيه.

وفي مداخلتها باالندوة، قالت الأستاذة الدكتورة عائشة المناعي مدير مركز محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين في الحضارة: يشهد العالم يشهد على هذا التعميم الجائر ضد دولة قطر .. بمزاعم من قبيل أنها داعمة للارهاب، دون تقديم أدلة أو براهين، رغم أن دولة قطر هي المعتدى عليها، حيث تم اختطاف مجموعة من أبنائها،  ثم تبع ذلك قرصنة موقع وكالة الأنباء.

وذكرت المناعي، بأن الحوار ضرورة للوصول إلى حل الازمة، وقالت: في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان لانتناقش في العقيدة، لأنه لكل منا عقيدته المختلفة، لكننا نناقش وندعو إلى مناقشة المشتركات لنعيش في سلام.

وفيما يخص أزمة الحصار، قالت الدكتورة عائشة: قطر أصرت على عدم المساس بسيادتها، ولكن يبدو أن المحاصرين يريدون استسلام قطر، لذا فالطرف الاخر غير جاد في الحوار، والأزمة كشفت الغطاء والمستور عن الأخ الذي يجني على أخيه، وهذا يذكرني بقصة قابيل وهابيل التي ورد ذكرها في القرآن والكتب السماوية،  الحسد والغيرة جعلت الاخ يقتل أخيه.

وقالت أيضا: هذه الازمة اتسمت بـ”السقوط الاخلاقي” لكل شي،   ومس ذلك السياسيين وعلماء الدين والاعلاميين والفنانين، هذا ماسيكتبه التاريخ بقلم من عار، لذلك فالعودة للحق وقبول الحوار هو الذي سيحل الأزمة.

وكان ثالث المتحدثين، فضيلة الدكتور علي محي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي قال معربا عن الأسى: مع الاسف نحن في الخليج لم نلتزم بالسلام تحية الإسلام، ديننا الحنيف يأمرنا بأنه عندما نخرج من الصلاة نعاهد البشرية من اليمين واليسار على السلام، إلا أن الحصار تسبب بالأذى والظلم بشكل شمل الانسان وأيضا الحيوان، وتلك أزمة يجب مناقشتها اخلاقيا ودينيا، الإنسانية تأبى ان تصل الخلافات الى الحصار والمقاطعة وقطع الرحم، وأضاف القرة داغي: ترتبت على الحصار ١١ معصية كبرى على رأسها قطع الرحم، واليوم بات الخليج الواحد الذي كنا نتغنى به ممزقا.

أما عن حل الأزمة، فطريقه واحد كما قال: الحل الواضح لكل الخلافات هو الحوار، فالله سبحنه حاور إبليس والملائكة، والأنبياء حاوروا أقوامهم، والإسلام حدد المبادئ الانسانية والدينية العشرة للحوار، من أبرزها الاصل المشترك، فجميع البشر أقارب، يرجعون لأصل واحد، وهو أبونا آدم.

وقال الدكتور القرة داغي: للاسف القيم الانسانية والاخلاقية وحتى القبلية والدينية ضربت، أبناء العم والاخوال تم الفصل بينهم، وأشار إلى أن الإسلام لاينكر الخلاف، والاختلاف، ولذلك خلقهم، فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر، ولكن يجب أن نتعايش في الدنيا اعتمادا على الأسس المشتركة، وكل الناس المؤمنين والملحدين يجمعهم أنهم يبحثون عن الحقيقية.

وعن شروط الحوار، قال: من أهم شروط الحوار هو أن يكون الانسان قابلا وساعيا للحق، ونتمنى من إخوتنا في دول الحصار أن يجلسوا للحوار، فبعد مبادرة صاحب السمو الامير للحوار، وذلك باتصاله مع الأمير محمد بن سلمان، جاءنا الرد خلال دقائق برفض الحوار، ولا أدري كيف يجلسون مع الأعداء للحوار ويرفضون الحوار مع الأخ، وأرى ان ماينطبق على دول الحصار هو موقف أخوة يوسف الذين أرادوا قتل يوسف ليستفردوا بأبيهم يعقوب.

 

ومن جانبه، كان للإعلامي القطري جابر الحرمي مداخلة قيمة، تناول فيها تعامل وسائل الإعلام مع الأزمة، حيث قال: ابتداء من ٢٠١١ كانت هناك حملات إعلامية منظمة تشن على دولة قطر من خارج حدود دول مجلس التعاون الخليجي، وقتها لم يكن يعرف مصدر هذه الحملات، والآن اتضح من كان وراءها.

واستعرض الحرمي أمثلة لافتراءات وسائل إعلام دول الحصار، فقال: تحدثوا عن معتقلات، ونقاط تفتيش تركية وحرس ثوري، باسلوب غير معهود أخلاقيا، بل وصل الامر الى قرصنة قنوات بي ان سبورت، حتى الإعلام الرسمي ووكالات الأنباء، في دول الحصار، سقطت في هذا المستنقع، قبل سنوات كنا نرى الاعلام المصري وصل الى القاع، لكننا شاهدنا في الخليج إعلاما مبتذلا غير مألوف، وقال: وأرى ان كسر العظم بدأ في ديسمير ٢٠١٠ بفوز قطر باستضافة بطولة كأس العالم، ثم بداية الربيع العربي وانحياز قطر للشعوب، بينما انحازت الدول الاخرى للاستبداد والقمع.

وأضاف الحرمي: الأزمة سقطت فيها الأخلاق، واستخدمت فيها الأكاذيب منذ اليوم الأول، وظل الإعلام القطري ملتزما بالأخلاق دون اللجوء للكذب والقذف ومتحملا المسؤولية، وظل الاعلام القطري مرتكزا على الحقيقة، حتى عندما تحدثت التقارير عن السجون في اليمن التي انشأتها قوات أمن اماراتية، استندت على الحقيقة والمهنية، متماسكا بقيمه، ومهنيته، دون ان ينزلق للمستنقع، وذلك لان الاعلام القطري يستند الى الحق، بعكس الاخرين الذين يقتاتون الكذب.

دول الحصار قامت بفرض حصار على شعبها، وذلك بمنع المواقع القطرية والتي توضح حقيقة مايحصل، وصدر قانون منع التعاطف، حتى بات من الممكن أن ٢٤٠ حرف بتويتر قد يدخلك السجن لسنوات، بعكس قطر لم تمنع أية قناة أو موقع لهم، لأننا نقف على أرضية صلبة، لأننا لسنا خائفين، ونملك الحق، أما عن الحل، فأكد الإعلامي جابر الحرمي بأنه لاحل للأزمة بعيدا عن الحوار.

 

فيما تحدث الإعلامي القطري والكاتب عبدالله حيي السليطي، عن الدروس المستفادة من الأزمة، إلا أنه بدأ مداخلته ببيت شعر من معلقة طرفة بن العبد، “وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً .. عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ”، ثم قال: تلقينا طعنة لم نتوقعها في شهر رمضان المبارك، بأن تغلق الأجواء برا وبحرا وجوا، ويطرد القطريون، ويمنعون من الحج.

 

وقال السليطي :في تصوري يجب تشكيل لجنة للاستفادة من دروس هذا الحصار، وكما قال صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلد المفدى رب ضارة نافعة، حيث يحب إعادة صياغة الاستراتيجيات والخطط التنموية، وذلك لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وذكر بأن تحركات الحكومة لمواجهة تداعيات الحصار، والحراك الديبلوماسي أثارا إعجابا لافتا، وأرى بان اغلب شعوب دول الحصار تميل لقطر، الا انهم لايستطيعون التعبير نتيجة قانون التعاطف.

وعن أبرز الدروس الاقتصادية، قال: كانت الدولة تستورد نسبة كبيرة من المواد الغذائية من دول الحصار، إلا أننا لم نتأثر، وتوجهنا لأسواق أخرى، ولعب ميناء حمد الذي افتتح مؤخرا، ومطار حمد الدولي، دورا كبيرا في حركة الاستيراد، لسد حاجات البلد، ولابد من تحديث وتطوير الموانئ وتزويدها بالمرافق في كل من الرويس والخور والدوحة والوكرة ومسيعيد، بدلا من الاعتماد بشكل كامل على ميناء حمد.

ومن الدروس الاجتماعية، قال عبدالله السليطي: الشعب القطري برهن على تماسك الوحدة الوطنية، وصلابة الجبهة الداخلية،  وثقافيا ضرورة تعديل المناهج كما ذكر وزير التعليم والتعليم العالي، كما قامت كلية القانون بجامعة قطر بطرح مقرر أكاديمي يتناول الأبعاد القانونية لأزمة الحصار.